كيفية التعامل مع العناد عند الاطفال
بداية، انا لم اشكل الاستثناء و ككل الامهات واجهت صعوبات تتعلق بالتعامل مع العناد عند الاطفال، وأصدقكم القول حين أقول إن تلك الفترات كانت مرهقة لي و لزوجي من الناحية النفسية. يُعتبر عناد الأطفال من السلوكيات الشائعة التي يواجهها الوالدان، ويمكن أن يكون مصدر قلق كبير و إرباك. فما هو سبب هذا السلوك؟ هل هو طبيعي و يدخل في خانة تطور شخصية الطفل؟ وكم يستمر العناد عند الطفل؟ و هل هناك فئة عمرية يكثر فيها هذا السلوك؟ تعالوا لنجيب عن هذه الأسئلة، ونفهم أكثر حول هذا الموضوع.
اسباب العناد عند الأطفال:
بالاستناد إلى تجربتنا الشخصية كوالدين، أدركنا و مع مرور الوقت أن هناك عدة أسباب قد تؤدي إلى ظهور سلوك العناد لدى الأطفال. الحل في بعض الأحيان يكمن في فهم أسباب العناد عند الطفل و هذا دون ريب يمكن أن يساعد الوالدان على التعامل بشكل أفضل مع هذا السلوك وتقديم الدعم والتوجيه المناسب لصغيرهم.
نعدد لكم هنا 9 اسباب للعناد عند الاطفال :
التنافس على الانتباه
في حال وجود أطفال آخرين في الأسرة قد يلجأ الطفل الى العناد و العصبية ليلفت انتباهكم, كانه يقول: “انا هنا” “هل نسيتم ان لكم طفلا اخر” “لا ترجح كفة اخي” مما يؤدي إلى مظاهر العناد للحصول على مزيد من الاهتمام. و العناد هنا مجرد غيرة اخوية بريئة.
التهميش والإهمال
كنت في مناسبة عائلية، و كنت اقدم يد المساعدة لأهل البيت، فأهملت ابنتي قليلا و لاحظت انها اتجهت نحو سلوك العناد للتعبير عن احتياجاتها، بمجرد انتهاء المراسيم عدت لأعانقها و عادت إلى طبيعتها ببساطة كأن شيئا لم يكن، ادركت حينها انها كانت تطالبني ببعض العاطفة و الحب الذين تعودت عليهما مني.
التدليل الزائد
قد يؤدي التدليل الزائد وعدم فرض الحدود بشكل مناسب إلى تشجيع سلوك العناد لدى الطفل.
التعرض للعقاب المفرط
العنف لا يولد إلا العنف، و العقاب و التانيب الدائم يشعر الطفل بالإهانة والظلم.
نمو الطفل وتطوره
في سنوات الصغير الاولى (من 2 إلى 5 سنوات)، قد يظهر الطفل سلوكًا عناديًّا كجزء من تطور شخصيته ورغبته في التعبير عن ذاته واكتشاف حدوده. ليعود هذا السلوك بشكل اكبر و اقوى خلال فترة المراهقة.
السعي للحصول على الاستقلال
لا تعاكس صَيْرُورَة الحياة، فكلما تقدم صغيرك في العمر سوف يسعى نحو الاستقلال والتفكير الذاتي، مما قد يؤدي إلى مزيد من الصراع مع الوالدين وظهور سلوك العناد.
كثرة الأوامر والنهي
بعض الاباء يغيبون الحوار و النقاش مع اطفال, بحجة صغر سنهم و يكتفون بالأوامر و النواهي و لا يشرحون الاسباب لأطفالهم، فيتحول الطفل من مستكشف لعالمه إلى كائن حزين و مهزوم و عنيد يثير جنون والديه بالصراخ و العصبية المفرطة و العناد.
إخبار الطفل انه “عنيد”
و هذا بكل بساطة خطا فادح، و تكرار ذلك امام العائلة مثلا يزيد الطين بلة.
رد فعل على التغيرات في البيئة المحيطة
و هنا الدخول لروضة او المدرسة خير مثال، خوف من المجهول.
هل عناد الطفل أمر طبيعي؟
نعم، يعتبر العناد سلوكًا طبيعيًا في مراحل معينة خلال نمو الطفل، يطلق عليها مصطلح “سن المقاومة” أو “سن العناد“. حيث يُعتبر العناد جزءًا أساسيًا من عملية بناء شخصية قوية و التطور السليم لطفل. حيث يكتسبون مهارات جديدة، و يتعلمون كيفية التفاعل و التفاهم مع الاخرين. يمكن اعتبار العناد هنا نعمة لا نقمة و هو من الايجابيات لا من السلبيات. حيث يمكن أن يكون علامة على التطور العقلي والاجتماعي للطفل. ومع مرور الوقت، يمكن للطفل تطوير طرق أفضل للتعامل مع المشاكل والتحديات. الاضافة إلى ذلك, يمثل العناد للطفل وسيلة للتعبير عن ذاته وتأكيد وجوده كفرد مستقل، ويساعده على استكشاف هويته وفهم شخصيته بشكل أعمق.
ما هو سن العناد عند الأطفال؟
في ما يتعلق بالعمر الذي يكثر فيه عناد الاطفال, او ما يُعرف بسن العناد، والذي يبدأ عادة حوالي سنة ونصف من العمر، وتستمر حتى سبع سنوات. لكن يبلغ عناد الاطفال ذروته بين سن ثلاثة سنوات و خمسة سنوات. و هي مسالة نسبية لا قطعية بحيث ان لكل طفل مساره الخاص و شخصيته المتفردة. فعندما يتجاوز الطفل مرحلة الاعتماد الكلي على الوالدين، ويكتسب بعض الاستقلالية، و يقوم بخطواته الاولى, يبدأ في التعبير عن رغباته والتمسك برأيه بشكل أكبر. هذا السلوك الطبيعي يمكن أن يتجلى في شكل عناد.
متى تنتهي مرحلة العناد عند الاطفال؟
بإختصار، يختلف مدى استمرار فترة العناد من طفل لآخر، ويعتمد على عوامل متعددة بما في ذلك شخصيته والبيئة الاجتماعية و الاسرية. التعامل الصحيح و السليم مع هذه الفترة المهمة يمكن أن يؤدي إلى تقليل العناد وتحسين العلاقة بين الوالدين والطفل. بدلاً من مواجهة العناد بالغضب أو العقاب الصارم.
بعد ذلك, سوف تأخذون فترة راحة بعد بلوغ طفلكم سن السابعة, لتعود هذه الظاهرة لتطفو على سطح مشاكلكم الاسرية و تحدياتكم التربوية مرة اخرى في فترة المراهقة 🙁 , و ما ادراكم ما فترة المراهقة فهي فترة التمرد و من الفترات التي يزداد فيها العناد بشكل ملحوظ. لكن لا تقلقوا, فهي مرحلة و ستمر, سنوات عجاف تعود بعدها المياه الى مجاريها, و يسود الحب و الود بين الاباء و الامهات و ابناهم 🙂 . في المراهقة، يمكن أن يكون العناد جزءًا من عملية تحديد الذات والتفاعل مع الضغوط الاجتماعية والعواطف المتقلبة.
كيف أتعامل مع الطفل العنيد الذي لا يسمع الكلام؟
من خلال تجربتنا الشخصية كوالدين، ندرك أن التعامل مع الطفل العنيد يتطلب فهمًا عميقًا وإرشادًا صائبًا، فكما سبق الذكر ان العناد يمكن اعتباره سلوكا إيجابيا يدل على نمو الطفل بشكل سليم, فلكل مرحلة سنية مشاكل و تحديات. حاولي الاستمتاع بها بدل التركيز على السلبي منها, فهي اجمل مراحل الطفولة. إذ ان صغيرك العنيد غالبا ما يكون متقد الذكاء و مبتكرا و شديد الملاحظة، كثير السؤال, له تفكير نقدي لا يجب قمعه, بل تأطيره و توجيهه, يريد فهم كل شيء من حوله و يرفض الإيجابيات العادية و المُسَلٌمات، بل يجيب بتحد “لا”، و يريد تفسيرا للظواهر كلها من حوله.
من الأهمية بمكان أن نتبع بعض النصائح و الحيل التربوية الهامة عند التعامل مع الطفل العنيد:
- التحلي بالصبر و الهدوء: حافظي على الهدوء وعدم الانفعال في التعامل مع الطفل العنيد.
- تقديم الخيارات: هذا يمنحه شعورا بالتحكم والاستقلالية. هذا يساعده على تطوير مهارات اتخاذ القرار والتفكير النقدي.
- توضيح النتائج: لكل فعل عواقب يا إبني، وهذه ستكون نتائج سلوكك.
- إنشاء روتين: النوم والأكل واللعب و التكنولوجيا و الشاشات بوقت محدد، وفري بيئة منتظمة ومألوفة للطفل يسهل عليه الالتزام بها.
- تطبيق عواقب منطقية: قبل كل شيء، الضرب ليس حلا، التعنيف الجسدي او النفسي خطا، ضعي عواقب ملائمة ومنطقية لخرق القواعد (الحرمان من التلفاز, من لعبة يحبها لوقت معين…). يجب عدم فرض عقوبات غير متناسبة مع السلوك،
- إعادة توجيه الانتباه: استخدمي تقنيات إعادة توجيه انتباه الطفل نحو سلوك إيجابي.
- استماع لرأي الطفل: اسمعي آراء الطفل ودعيه يشارك في إيجاد حلول للمشاكل. مما يشجعه على الشعور بالمسؤولية والانتماء. يجب أن يشعر الطفل بأنه مسموع ومهتم بمشاكله واحتياجاته.
- تشجيع السلوك الإيجابي: لا تبخلي عليه بكلمات التشجيع و المديح عندما يظهر الطفل سلوكًا إيجابيًا.
- تعزيز التعبير الصحيح عن العواطف: عندما يشعر الطفل بالغضب أو الحزن أو الإحباط، يجب تشجيعه على التعبير عن مشاعره بشكل صحيح وبدون تقديم الانفعالات السلبية. يمكن تقديم الدعم والتشجيع للطفل للتعبير عن مشاعره بشكل صحيح.
- تحديد القواعد بجلاء: حددي القواعد و التوقعات بوضوح لدى الطفل، و اشرحي الأسباب وراءها.
- الاستخدام الفعّال للغة الجسد: استخدام إيماءات وتعابير الوجه لنقل المشاعر والتعبير عن الحب والدعم.
- المثال الحسن: صغاري هم مرآة لي و لتصرفاتي، يتعلم الطفل الكثير من تصرفات وتفاعلات الكبار من حوله. يجب على الآباء والأمهات أن يكونوا نموذجًا يحتذى به للسلوك الإيجابي والتعامل الهادئ والمحترم مع الآخرين.
هذه النصائح ستساعدك على التعامل بفعالية مع الطفل العنيد وتوجيهه نحو سلوك أكثر توازنًا وإيجابية.
كيف أعاقب طفلي العنيد بدون ضرب؟
الضرب و التعنيف الجسدي و الاهانة و السب اسوء ما قد يلجأ له الاب او الام في تأديب و معاقبة الطفل العنيد الذي لا يسمع الكلام، و الذي يرفض كل شيء و يكتفي بالصراخ، هذا ما خلصت اليه احدث الدراسات العلمية في مجال التربية.
تنظر علوم التربية الحديثة إلى التعامل مع الطفل العنيد بمنظور جديد، و ترجح كفة الإرشاد والتوجيه بدلاً من العقوبات الجسدية و العنف اللفظي الشيء الذي يؤدي الى مشاكل مثل التأتأة، والتبول اللاإرادي، والكوابيس، و فقدان الشهية. وتجربتنا كوالدين تبتث لنا أن الصبر والتواصل الفعّال يُحققان نتائج أفضل في تعاملنا مع أطفالنا.
باختصار، الطفل العنيد يُعتبر نعمة لا نقمة و في الغالب شخصيته قوية. فالطفل المطيع سيواجه مشاكل عدة في مستقبل ايامه، و لن يدافع عن افكاره ابدا. بل سينساق مع الرأي الاخر و يظل عرضة لأي تيار فكري في شبابه, و ربما ينجر بسهولة الى التطرف الفكري لأنه و ببساطة يسهل ترويضه. إذا ما تمكنا من فهم مراحل نمو الطفل واحتياجاته، سنكون قادرين على توجيهه بشكل فعّال نحو تحقيق أقصى إمكاناته دون الحاجة إلى العقوبات القاسية.
طرق للتعامل مع الطفل العنيد بدون اللجوء إلى الضرب:
- نترك الطفل يجلس بمفرده لفترة من الوقت ليهدئ و يفكر في سلوكه، ثم السماح له بالجلوس مع الوالدين عندما يهدأ.
- الحرمان مما يحب, بعض الامتيازات والأنشطة الممتعة(الخروج للحديقة, مشاهدة الكرتون, العب المفضلة…) لفترة محددة حتى يتعلم الطفل من أخطائه.
- ربط العقوبة بالسلوك الخاطئ لمساعدة الطفل على فهم العواقب.
- مكافأة السلوك الجيد والثناء عليه لتعزيز التصرفات الإيجابية. (و هذا و من تجربة شخصية له اثر كبير في الطفل).
- استخدام وقت محدد للعقاب مع تحديد المكان المخصص للعقاب.
- التجاهل للسلوك السلبي لتقليل تعزيزه وتجنب تكراره, “يقول الإمام أحمد بن حنبل : تسعة أعشار العافية في التغافُل ! ويقول الإمام الشّافعيّ : الكَيّسُ العَاقل هو الفَطن المُتَغَابي.”
- مناقشة الخطأ بشكل بناء لتوضيح الأخطاء والعواقب المترتبة.
- تخصيص وقت للاختلاء بالطفل لبناء علاقة قوية و ثقة.
- استخدام تقنيات الإلهاء والتحفيز لتوجيه انتباه الطفل نحو سلوك إيجابي.
خاتمة:
و في الختام, تحتاج تربية الأطفال إلى صبر وتفهم وحب، وعلى الرغم من التحديات التي يمكن أن تواجه الوالدين مع الطفل العنيد. و مع ذلك، العمل بجدية على بناء علاقة صحية ومبنية على الثقة سيكون له تأثير إيجابي على نمو الطفل وسلوكه المستقبلي.
شكرا لكم